اعتراف فرنسا بفلسطين- تحول تاريخي يواجه تحديات أمريكية

المؤلف: حمود أبو طالب08.25.2025
اعتراف فرنسا بفلسطين- تحول تاريخي يواجه تحديات أمريكية

مع إعلان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن نيّة فرنسا للاعتراف بدولة فلسطين خلال اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في شهر سبتمبر المقبل، نشهد تطوراً بالغ الأهمية في مسيرة القضية الفلسطينية العادلة. وإذا تكللت جهود الرئيس الفرنسي بالنجاح في إقناع رئيس الوزراء البريطاني باتخاذ قرار مماثل، فإن ذلك سيشكل منعطفاً تاريخياً حاسماً لقضية راسخة الجذور، والتي تقع في صميم المشكلة الكبرى التي تعصف بالمنطقة العربية بأسرها. حتى الآن، قامت 147 دولة عضواً في الأمم المتحدة من أصل 193 دولة بالاعتراف بدولة فلسطين، ولكن اعتراف فرنسا يحمل وزناً استثنائياً، وإذا ما حذت بريطانيا حذوها، فإن المعادلة ستتغير بشكل جذري، وستواجه إسرائيل واقعاً جديداً بشأن القضية الفلسطينية ودولة فلسطين المنشودة، التي طال انتظارها.

من البديهي أن نتوقع رد فعل إسرائيلي غاضب تجاه قرار فرنسا المرتقب، وهو ما عبّر عنه نتنياهو وبعض المسؤولين المتطرفين في حكومته، والذي وصل إلى حد التجاوزات غير المقبولة تجاه الرئيس الفرنسي. إن إسرائيل يملأها الذعر من تزايد عدد الأطراف الدولية الهامة التي تعترف بالدولة الفلسطينية، وتدين بشدة انتهاكاتها الشنيعة بحق الشعب الفلسطيني عموماً، وأهالي غزة على وجه الخصوص، والتي بلغت حداً لا يمكن لأي ضمير إنساني أن يستوعبه. علاوة على ذلك، أصبح تعطيلها المستمر والمتعمد لجميع مبادرات السلام أمراً مكشوفاً للعالم أجمع، وبالتالي فقدت تدريجياً الذرائع الواهية التي كانت تتذرع بها، وأضحت في مواجهة أخلاقية مباشرة مع معظم مجتمعات ودول العالم الحر.

ماذا بعد إذن؟ تكمن المعضلة الحقيقية في الموقف الأمريكي الداعم بشكل مطلق لإسرائيل دون أدنى اعتبار للحقوق الفلسطينية. الرئيس ترمب علّق على قرار الرئيس ماكرون بتصريحات لا تعكس أي قدر من الرضا، وكأنه يقول ليفعل ماكرون ما يشاء، فأمريكا لديها قرار آخر مناقض. ومن المتوقع أن تعارض أمريكا بشدة مخرجات المؤتمر الدولي حول مستقبل القضية الفلسطينية، المزمع عقده يومي 28 و29 يوليو، وكذلك مؤتمر القمة على مستوى رؤساء الدول المقرر عقده قبل اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في شهر سبتمبر، بمبادرة مشتركة من المملكة العربية السعودية وفرنسا. وفي الواقع، لقد عارضت أمريكا هذه المبادرة منذ بدايتها، وهددت بشكل صريح وتلميحي الدول التي ستشارك فيها. ولهذا يمكننا القول بكل أسف إن القضية الفلسطينية ودولة فلسطين تقفان بين معسكرين متناقضين؛ إسرائيل وأمريكا من جهة، وبقية دول العالم من جهة أخرى، طرف يسعى جاهداً لتحقيقها، وطرف آخر يعمل بكل ما أوتي من قوة على إجهاضها وإفشالها.

أمريكا تتحدث عن حل الدولتين في سياقات دبلوماسية ضيقة ومحددة، فقط عندما يكون ذلك مفيداً لمصالحها في بعض المواقف الآنية، ولكنها على أرض الواقع تضع كل ثقلها السياسي والاقتصادي والعسكري لتعطيل هذا الحل المنشود والمرتقب منذ عقود طويلة، والذي بات يمثل طوق النجاة الوحيد لإنهاء هذا الصراع المرير وتحقيق السلام العادل والشامل في المنطقة.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة